حمار وجمل
(قصّة كتبها المؤلّف لتلاميذه في الصفّ الخامس الابتدائيّ)
في قديم الزمان، ساق القضاء والقدر حمارًا وجملًا إلى المرج. وهناك تعارفا وتصاحبا، واتّفقا أن يعيشا معًا عيشة راضية متآلفين متحابّين. وكان ذلك المرج كثير الكلأ طيِّب المرعى. وكان آمنًا، لا تأوي إليه السباع المخيفة، ولا يعرفه أحد من بني آدم لبعده عن مواطنهم. إلاّ أنّه كان بالقرب منه غابة فيها وحوش ضارية كالأسد والنمر والذئب؛ وكان يفصلها عن المرج الخصيب أكمةٌ صعبة المرتقى. ولم تكن هذه الحيوانات المفترسة تعلم عن أمر الجمل والحمار شيئًا. ولهذا فقد عاش هذان سعيدين هانئين يأكلان النَّفْلَ الطريء الدَّسِم وغيره من الأعشاب المسمنة؛ فغلظ ذنب الحمار وامتلأت حدبةُ الجمل شحمًا ولحمًا. وكان الحمار، كلَّما انتهى من رعي الكلأ، وامتلأ جوفه عشبًا، أخذ يعدو في المرج ذهابًا وإيابًا، ويرفع قائمتيه الخلفيّتين لابطًا بهما الهواء؛ وبطر بطرًا شديدًا. فتضايق الجمل الرصينُ من موقف صديقه الجديد وصبر صبرًا جميلًا، ولكنّه خاف سوء العاقبة، فنادى الحمار وقال له: "يا صديقي الحمار، لقد أبطرتك الراحة والسِّمَن، وإنّي لا أعترضك في أن تسرح وتمرح في هذا المرج، ولكن أوصيك بأمرٍ واحد مهمّ: إيّاك والنهيق! فإنّك إذا نهقت عرفتك الوحوش من صوتك، وانقادت إلى مكاننا، وموطن استقلالنا وحرّيتنا، وافترستك وافترستني معك". فلم يُصغِ الحمار لنصيحة صاحبه المخلصة، وازداد بطرًا يومًا بعد يوم.
وفي ذات مساء نهق نهيقًا عاليًا تجاوبت أصداؤه في الغابات المجاورة. عندما أظلم الليل، هرول بعض الذئاب الجائعة إلى المرج، ولمَّا رأَوا الجمل ضخم الجثة يهدر هديرًا مخيفًا، تهيّبوه وخلّوه لشأنه، واستداروا نحو الحمار فوثبوا عليه، ومزَّقوه تمزيقًا وافترسوه، وانصرفوا. ولكنّ الجمل المسكين، وإن يكن قد نجا من شرّ هذه الذئاب، فإنّه بات منذ تلك الليلة كئيبًا وأسيرًا لخوف دائم، وما عاد يعرف للراحة والحرّية لذَّة ولا طَعْما.
يوسف س. نويهض